- ماذا تعني القراءة للكاتب يوسف حسين؟
** تعني وبكل بساطة أنك ما أن تشرع في اقتناء أحد أعماله سيكون بداخلك يقين أنك أمام فكرة جديدة..
فكرة قد تتقبلها وتتفق معها أو ترفضها..
الأمر الذي أكاد أجزم به هو أنه – الكاتب- دوما ما يُرهق نفسه في البحث عن فكرة جديدة، وهذا في اعتقادي أحد أهم أسباب تميز قلم يوسف حسين، وهو ما يجعل أفكاره دوما محط الأنظار وكثيرا ما تثير الجدل حولها ما بين مؤيدٍ ومُعارض.. وهذا ما حدث مع كل كتاباته - خاصة الأخيرة منها- بدءا من "إرم العهد الحديث" و"الأربعون الثانية" وختاما مع روايته الأخيرة الورقة الخضراء التي هي محل المراجعة اليوم.
** الفكرة كما أكدتُ في افتتاحيتي جديدة، وأكاد أجزم بأنه لم يطأها قلم كاتب بعد، وإن كنتُ على يقين بأنها – الفكرة- ستكون أرضا خصبة لأقلام العديد من الكُتَّاب على مستوى العالم في السنوات القليلة القادمة..
نبتت الفكرة بعقل الكاتب من خلال مطالعته لقانون تناقشه حكومة جنوب إفريقيا ، وسوف تشرع في تطبيقه بدءا من عام 2024 وهو خاص بحق المرأة في تعدد الأزواج.
رغم غرابة الفكرة وصعوبة الكتابة فيها إلا أن الكاتب ضفَّر فكرته بالعديد من القضايا التي خدمت فكرته الأم فخرجت علينا روايته مكتملة الفكرة، واضحة المعالم للقاصي والداني..
** اللغة والأسلوب والألفاظ:
- المتابع لقلم يوسف حسين سيجد أن لغته – حسبما اتفق الكثيرون ممَن طالعوا العمل- قد ارتدت ثوبا جديدا فجاء الأسلوب سلسا في متناول الجميع حيث ابتعد بها عن الإغراق في التشبيهات والبيان والبديع..
- بدا يوسف حسين كالجواهرجي في انتقائه لبعض الألفاظ والجمل، الأمر الذي يجبر القارئ المتذوق على إعادة قراءة اللفظة والجملة مرتين وربما ثلاث.. ومن تلك الجُمل على سبيل المثال جملة رددتها البطلة بينها وبين نفسها، وهي تنظر إلى توماس في آخر الرواية " ليته ردَّ إلىَّ شتائمي" فكانت الجملة بمثابة حرب من الكاتب على كل أنصار العنصرية ممَن يضطهدون أصحاب البشرة السمراء.
كذلك تجلت عذوبة الألفاظ في الحوار في حديث الكاتب على لسان البطلة عن نبرة البدايات.. ولا أخفيكم سرا أن هناك لفظا استخدمه الكاتب قد دفعني – وأنا أستاذ اللغة – للبحث عنه مثل "هرير الكلاب".. وهنا نرفع القبعة وبجدارة للكاتب يوسف حسين.
** الحبكة والصراع..
أحكمها الكاتب رغم تعدد زوايا العمل وشخصياته وكثرة الأماكن ما بين مصر وجنوب إفريقيا والماضي والحاضر فجاءت حبكته بلا أي عوار، كما تنامى الصراع بشكل يجعلك تلتهم السطور والصفحات وعقلك يصرخ: ماذا بعد؟!
وقد راقتني جدا جزئية في مستهل الرواية اعتمد فيها الكتاب على الخيال وعدم المنطقية المحضة ورغم ذلك بدت لنا منطقية مما يدل على عبقرية الكاتب في تجاوز مرحلة وعرة في بناء حبكته، وكلامي هنا يخص الطريقة التي تحوَّل فيها الزوج الطيب لروحٍ شريرة هدفها الانتقام ممَن قتلوا ابنته رغما عنه لتتلبس تلك الروح الشريرة فيما بعد بطلة العمل، وتسير الأحداث في منطقية اتخذت من الخيال عمادا لها.
** الشخصيات:
برع الكاتب أيما براعة في رسم شخصياته، وخاصة الشيخ مراد وزوجته فاطمة وتوماس وأيضا
" كابو" الذي أصاب جسدي بقشعريرة وهو يذبح الطفلة فور ولادتها بدم بارد..
وهنا اسمحوا لي أن ألتقط أنفاسي برهة، وأتوقف أمام شخصيتين في رواية الورقة الخضراء، أولهما هي
ليلى بجمالها ورقتها اللذين لا يخلوان من دهاء وحزم وقت الحاجة، وفي اعتقادي أنها – ليلى- البطلة الأساسية للعمل؛ فهي الأكثر تأثيرا في الأحداث على عكس ما يبدو للكثيرين، كما أنها مثال مجسد للحكمة القائلة "اتقِ شر الحليم إذا غضب"، كما أنه غالبا ما تكون ليلى وأمثالها هم أصحاب الكلمة الأخيرة.
بالنسبة لاختيار اسم ليلى لا أدري صراحة سبب تعلق الكاتب باسم "ليلى" فهي بطلته أيضا في "إرم العهد الحديث"، ولكن شتَّان ما بين ليلى وليلى..
الشخصية الثانية هي بطلة العمل داليا الشيمي حيث تضاربت مشاعري تجاهها فتارة أحبها، وتارة أشفق عليها، وثالثة أخاف منها وعليها، ويُحسب للغة الكاتب وتصويره اللذين حوَّلا المشاهد لصورة مرئية فكنا نشارك بطلته أدنى تفصيلات حياتها وخاصة مراحلها الثلاث الأبرز:
1- البدايات وتقنية الفلاش باك.
2- الضياع واللامبالاة وهي المرحلة الأصعب التي صورتها كشيطانة في عيون الكثيرين لا تستحق شفقة أو رحمة.. وهنا نؤكد أنه من الظلم - كل الظلم- أن يحكم علينا البعض حكما نهائيا قاطعا من خلال تقييمهم لسلوكنا في لحظات اليأس والضياع التي غالبا ما يعيشها كل منا.
3- الاهتداء وهي مرحلة اتخاذ القرار الذي كان مفاجئا للكثيرين.
** النهاية:
لا أخفيكم سرا أن النهاية كانت مباغتة ومفاجئة لي، ولكنها راقتني كثيرا.
** وأخيرا لي تعقيب فقط على الرواية وهو أن الجزئية التي التبست فيها الروح الشريرة لجسد البطلة لتطل علينا بشخصية "ساسانا" كانت تحتاج بعضا من الإيضاح.
** والآن هناك سؤال يتردد بداخلي كما يتردد في أذهان الكثيرين:
- تُرى أي فكرة مجنونة ستكون موضوع الرواية القادمة للكاتب يوسف حسين؟!